main-top

حكاية محدود الدخل

10 أيلول/سبتمبر 2015
كتب  أحمد جمال زيادة

كعادته يستيقظ فى الثانية ظهرًا، لأنه لا يجد ما يفعله، ولأنه عديم الجدوى والدم والإحساس والمسؤولية كما تقول أمه، ولأنه صايع وفاشل و"ابن كلب" كما يقول أبيه.


ولأنه قاعد على قلبهم فى البيت وبتاع بنات كما تقول زوجة شقيقه التى تشعر بأنها خدامة من خلّفوه، تغسل له الملابس وتنظف له غرفته وتطبخ له السم الهارى كما يحلو لها أن تطلق عليه.


يفتح التلفاز الذى لا يوجد مثله فى أى مكان سوى فى هذا المنزل كما يقول جدَه لأنه أقدم تليفزيون فى المنطقة، ينظر إلى التليفزيون منبهرًا فتظن أمه أنه ينظر إلى ما يظهر من جسد المذيعة فتقول والدته: متنح فى المذيعة كده ليه يا موكوس؟!، ولكنه لم يكن يتنح فى المذيعة بقدر تناحته بعد سماع هذا الخبر المبهج: 13 ألف وحدة سكنية لمحدودي الدخل فى الجيزة ضمن مشروع المليون شقة، وعلى راغبي التقدم للحصول على وحدة سكنية التوجه لأقرب فرع من فروع بنك الإسكان والتعمير.. ثم فيلم وثائقى مدته 7 ساعات عن أهم إنجازات السيسى التى لم يحققها أى حاكم فى التاريخ أو الجغرافيا.


يرتدى ملابسه بسرعة البرق متجاهلاً سباب أمه ودعائها له بالهداية أو دعائها عليه بالموت ليريحها من خلقته المتسخة. ويذهب إلى بنك الإسكان والتعمير ليقف فى طابور الحالمين من محدودى الدخل إلى أن يأتي دوره.

 

- لو سمحت أنا عايز أقدم على وحدة سكنية من المليون وحدة.


ينظر له الموظف محاولًا تحديد إذا كان هذا الشاب ساخرًا من حكاية المليون وحدة سكنية أم جادًا؟! فإن كان ساخرًا سيتصل بالداخلية التى بدورها ستتهمه بالانتماء إلى جماعة محظورة ليعلموه الأدب وإن كان جادًا سيقوم هو بتعليمه الأدب.


= إنت محدود الدخل؟


- محدود دخل إيه؟! دا أنا معنديش دخل أصلًا.


= كويس، يبقى هتجيبلنا شهادة تأمين وتجيبلنا مفردات المرتب اللى مينفعش يقل عن 1200 جنيه من المكان اللي شغال فيه.


- لأ ما هو أنا مش شغال فى مكان ولا عندي شهادة تأمين.


= قصدك أعمال حرة؟ يبقى هتجيب شهادة من محاسب القانوني تثبت إن دخلك فى المشروع اللى انت عامله لا يتخطى 2250 جنيه، وتأمن على نفسك.


- ما هو أنا معنديش مشروع برده.


= أمال إنت جاى تقدم على شقة إزاى؟!


- أصل عقبال عندك الحاج والدي هيدفعلي عشان يخلص مني. وبعدين انتوا مش قلتوا لمحدودي الدخل؟! أنا محدود الدخل.


= احنا قلنا محدودي الدخل مش معدومي الدخل يا أستاذ. اللى بعده.


يعود إلى المنزل من جديد ليستمع إلى صراخ أمه ولعنات زوجة أخيه وشخرات أبيه التى يصدرها أثناء نومه أو أثناء اعتراضه، ويواصل مشاهدة التلفاز.


اتبرع لمستشفى.

اتبرع لمدرسة.

اتبرع لحضانة.

لو عندك دم اتبرع بيه.

لو عندك كِلية زيادة هاتها.

تبرعوا لشراء تكييف.


وعندما يظهر عمرو دياب على الشاشة يبتهج لرؤيته لأنه سيغير من هذه الأجواء بأغانيه التى لا تتخطى دقيقة ونصف. فيظهر عمرو وهو يشد عضلة الذراع الخلفية قدر الإمكان حتى تظهر ضخامتها ويقول أنا قررت أعيش فى بورتو أكتوبر، انت كمان لازم تعيش فى بورتو أكتوبر. ثم ينظر عمرو للكاميرا ويختفي.
 

فيغلق صاحبنا التلفاز ويسب ويلعن فى الإعلانات، والفنانين والفنانات الأحياء منهم والأموات. وأثناء النظر إلى عضلات جسده للمقارنة بينها وبين عضلات عمرو دياب سمع أصوات زغاريط فى الشارع ففتح شباك المنزل الذى لا يحتاج إلى فتحه لأن به ثقبًا أكبر من ثقب الأوزون وسأل أحد المارة عن سبب تلك الأفراح والزغاريط فأخبره بأن 5 أشقاء فى المنزل المجاور قد وقعت عليهم القرعة للحصول على الوحدات السكنية، فيرد مغتاظًا: دى لو عمارة وقعت مش هتقع على الـ 5 اخوات مع بعض.


فيظهر أحد مؤيدي السيسى معترضًا شاتمًا محذرًا صارخًا فى وجهه: إييييه إنت هتعترض على قضاء ربونا يا أخى؟ أكبر دليل على الشفافية والدبلوماسية المتفصلة بالمقاس إن 5 إخوات تقع عليهم القرعة ولا إنت عندك رأي تاني أوصله لرئيس المباحث؟!


يغلق محدود الدخل الشباك الذى لا يُغلق أبدًا نظرًا لثقب الأوزون الذى يقع فى منتصف الشباك، ثم يفتح جهاز الكمبيوتر محاولًا البحث عن أي شئ يجعله ينسى موضوع الوحدة السكنية والوحدة العاطفية، فيكتب كلمة "الزعيم" باحثًا عن مسرحية عادل إمام الشهيرة. فيظهر فى مؤشر البحث:

الزعيم: هتدفعوا يعنى هتدفعوا.

الزعيم: أنا عاوز أديك بس ممعاييش.

الزعيم: إحنا محتاجين كل يوم 100 مليار فى صندوق تحيا مصر ودول ملهمش دعوة بالمشاريع.

الزعيم: مصر أم الدنيا، وهتبقى أد الدنيا.

الزعيم: وطن يعنى حضن.

الزعيم: مصر تستضيف أكثر من 5 مليون لاجيء سوري وتعاملهم مثل المصريين.

وأخيرًا: شاهد مسرحية الزعيم للفنان القدير عادل إمام من هنا.

 

يفتح فيس بوك فيجد رسالة من صديقه: افرح يا إبن المحظوظة المدير وافق انك تشتغل فى المطعم عامل أمن بـ 1200 جنيه هتنزل من بكرة.


يظن بأنها فرجت ولكنها لا تُفرجُ، وبعدما تمكن من العمل أخيرًا قرر البحث عن وحدة سكنية بعيدًا عن وزراة الإسكان لأنه لا يملك شهادة تأمين.


وأثناء أداء عمله فى حراسة المطعم كان يتصفح الجرنال ويقرأ: عرض محدود للغاية شقة 90 متر بالقرب من كوكب بلوتو بأرخص سعر فى السوق، ادفع 50 ألف جنيه مقدم وادفع باقى الـ 600 ألف جنيه بالتقسيط المريح فى 12 شهر.


وهنا قرر أن يمحو كلمة شقة تمليك من ذاكرته، وأن يمحو كلمة تمليك نفسها، واتخذ قرارًا بالبحث عن شقة إيجار، خاصة أن مرتبه قد وصل إلى ما لم يحلم به من قبل، 1200 جنيه.


ينظر إلى مجموعة من العمارات الجديدة ويختار واحدة من بينها فيخبر البواب بأنه يريد إيجار شقة، فيرحب به البواب مؤكدًا أنه قد اختار المكان المناسب وأنه لن يجد شقة إيجار أرخص من هنا، فيبتسم صاحبنا ابتسامة رضا ويخبر البواب بأنه يريد أصغر شقة، وبالفعل يصعدان معًا إلى شقة مساحتها 70 متر ثم يخبره البواب أن إيجارها 1500 جنيه.


فينبهر صاحبنا كما لم ينبهر من قبل ويقول: ياااااه 1500 فى السنة؟! والله يا بلاش.


ثم يبدأ البواب ورفاقه من البوابين بمطاردة صاحبنا فى الشوارع لأنه أضاع وقت البواب على الفاضي.


عاد محدود الدخل إلى المنزل بملابس الأمن فوجد أمه تبتسم فى وجهه على غير عادتها، وتدعو له، ثم طلبت منه 500 جنيه بس عشان مزنوقين.


جلس يتحدث مع نفسه:

المرتب 1200 جنيه. نخصم منه 1500 إيجار + 400 جنيه كهربا ونت ومية وغاز ونظافة + 90 جنيه رصيد للتليفون. تصدق المرتب هيقضي ويزيد!


ثم كتب على موقع فيس بوك: قررت أن أتخذ القرار الوحيد الصحيح فى حياتى.


ولف حبل الغسيل حول عنقه وربطه بالمروحة، ولكن المروحة سقطت على رأسه، ففشل فى الحصول على ذلك السكن المجاني الذى يسمى القبر.


وعندما رأى شقيقه ما كتبه عبر موقع فيس بوك، كتب له تعليق: هل تعتقد أن تدمير المروحة اللي حيلتنا قرار صحيح؟! حسبى الله ونعم الوكيل فيك يا أخي.

main-bottom

 

 

نحن موقع اخباري يعمل على مدار 24 ساعة، سياستنا التحريرية غير منحازة لأي فصيل سياسي ونسعى لنقل الواقع المصري إلى أبناء مصر والعالم العربي والإفريقي والعالمي..