main-top

بَلا سياسة بَلا شعب

10 أيلول/سبتمبر 2015
كتب  سامح راشد

في لقاء عائلي مع صديق وأسرته في أحد الأندية الراقية، دار معظم الحديث عن القنابل المتناثرة والحكومة المتعثرة. وكلما هممت بمناقشة جوهر الوضع الراهن، إذا بصديقي المثقف يغير دفة النقاش لأننا مختلفان في الرأي. عدت ليلاً ﻷجد أوﻻدي يتابعون "مذيع العرب" فحرمتهم من البرنامج الذي يرونه ممتعاً وأراه تافهاً، لأتابع أنا أحد أفلام جيمس بوند التي يرونها مملة وأراها مُسلية!. بعد فاصل قصير لساعة أجبرت عليها نفسي، ﻷقرأ أو أكتب قليلاً، صادفتني مناظرة إسلام بحيري مع علي الجفري وأسامة اﻷزهري. فتابعتها من منتصف الليل وحتى الرابعة فجرا. وقبل الغوص في النوم، أيقظتني قناة فضائية للتعليق هاتفيا على تطورات "عاصفة الحزم". فأكملت نهار اليوم نوما، لأقوم عصرا وأجد الناس مشغولين بالحديث عن المليونية المرتقبة لخلع الحجاب.. مليونية الشوباشي.

هذا كان حصاد يوم بطوله 24 ساعة. علما بأني من فترة أتجاهل يوميات مرتضى واﻻلتراس.. وأصم آذاني عن سماع أوكا واورتيجا إﻻ ما يخترق زجاج السيارة.. وﻻ أنساق وراء شوفينية تامر أمين وهو يعلن أنه مخبر أو مازوخية العكش حين يعلن حموريته أو لزوجة يوسف الحسيني. وﻻ اقرأ اﻷهرام.. نعم ﻻ أقرأ اﻷهرام.. تراودني نفسي يوميا ﻷقرأه فأستعصم وﻻ أفعل، إﻻ نادرا. وأتجنب معرفة تفاصيل حوارات صفوت –عفواً محلب- مع الأحزاب. ولن أهتم بالهري الدائر عن دسترة اﻻنتخابات إﻻ بعد إخراجها من البسترة. وعلامة ذلك عندي ليست عودة سيف اليزل إلى الظهور ﻷنه في ظني لن يعود كما كان وإنما فك الجنزوري من التجميد، وهذا قريب (بس مش قوي). لم أعد أسمع السيسي وﻻ أتابع دوران عجلاته أو ألوان ترينجاته.. خلاص عرفت كيف يتكلم وماذا سيقول لمائة سنة مقبلة.. رغم أن خطاباته تستحق تحليل مضمون وتحليل نفسي، لكني عاهدت نفسي ألا ألبي له طلبه المتكرر "خدوا بالكو كويس" .

رغم محاولاتي لتجنب توافه إعلامية أو معارك وهمية ووعود هلامية، يضيع مني وقت طويل إما بسبب الحنين إلى سبعينيات جيمس بوند وبوني إم وأحمد منيب وبدايات منير وخواتيم عبد الحليم. أو وبعضه ﻻلتزامات عائلية رغم تقصيري فيها. أو بحثاً عن فكرة جديدة للكتابة وسط زحام أحداث تافهة أو مكررة وكتابات باهتة ومكرورة. فإن كان هكذا حالي وهو أفضل من غيري.. فكيف حال معظم المصريين وكثير منهم أقل وعيا وإدراكا بهذا اﻻستلاب في الوقت والعقل الذي يتعرضون له؟.

مَن مِن عامة المصريين لاحظ أن الفضائيات لم تعد مشغولة سوى بالأفلام والإلحاد والشذوذ؟ وضيوفها إما ممثلات أو راقصات أو مغنيات أو أصحاب "المهرجانات" الشعبي. حتى نجوم الرياضة اختفوا ﻷن أكثرهم شعبية ليسوا من اﻻصطفافيين. لا كلام عن الحريات وﻻ عن حقوق المواطن. ﻻ مساءلة وﻻ حتى عتاب على إهدار المال العام وانتهاك الحق العام والتلاعب بالرأي العام في سن قانون غير دستوري ومصادرة إرادة الشعب في إيجاد نائب عنه يحاسب من فوضه بعض الشعب. ﻻ مجال للسؤال عن أصل اﻹرهاب وحقيقة وجوده.. ومن المسؤول ويجب أن يحاسب أمام الشعب عن الفشل في تأمين حياة أبناء الشعب. لم يعد مطروحا أي حديث لا تصريحاً ولا تلميحاً، عما كان يريده المصريون في 25 يناير. بل أيضاً ما أراده بعضهم في 30 يونيو، وأين نحن منهما اﻵن.


كيف يمكن للشعب أن يشارك ويقول رأيه ويوافق أو يعارض.. وكيف يعلن مطالبه اﻻقتصادية واﻻجتماعية الفردية والعامة؟ هذا ما ﻻ يراد للمصريين قوله أو سماعه أو مجرد التفكير فيه. لذا لن يكون مفاجئاً أن نسمع قريباً عن دمج بعض الفضائيات وتقليص عددها بعد أن أدت مهمتها وانتهى دورها. وليس لنا أن نندهش عندما تفرض قيود على فيس بوك وتويتر وربما لاحقاً حظرهما. سيحاكم كثيرون ونحن معهم بما اقترفت أقلامنا. وما يُقرأ اليوم، فغداً قد لا يُكتب أصلاً. وإن كُتب لن يجد له ناقلاً أو موئلاً. وقد نكتشف جميعا أنا كنا نلاحق السراب تفييساً تارة وتتويتاً أخرى.

قريبا جدا.. ستظهر دعوات صريحة علنية للبعد عن السياسة والاستمتاع بما ﻻ يضر الصحة ويشوش العقل. وليعد المصريون إلى الثلاثية المقدسة.. الفطار فول.. الغدا كورة.. العشا أم كلثوم.. وﻻن الست ماتت فالعشا هايكون هيفا أو صافينار أو خناقة جديدة بين مرتضى وواحد معدي جنب النادي. السياسة إلى زوال. من النهاردة مفيش سياسة.. فهو السياسة.. مفيش حكومة.. هو الحكومة.. مفيش دولة هو الدولة.. ولو حجرتوا معاه مش ها يخلى فيها شعب، ويبقى لا سياسة ولا شعب.. بَلا سياسة بَلا شعب.

main-bottom

 

 

نحن موقع اخباري يعمل على مدار 24 ساعة، سياستنا التحريرية غير منحازة لأي فصيل سياسي ونسعى لنقل الواقع المصري إلى أبناء مصر والعالم العربي والإفريقي والعالمي..