main-top

بين إيلان و "وقعة" المجر

10 أيلول/سبتمبر 2015
كتب  إسلام فرحات

الآلام متفاوتة، والأحاسيس بها أيضا متفاوتة، التفاوت يأتي من عوامل كثيرة، ربما الإحساس، وربما حضور المعاني، وربما وجود مشاعر أصلاً من عدمها..

كنت واحداً ممن رأوا في صورة "إيلان" الطفل السوري الغريق دليلاً على موت البراءة في عالم التوحش، قرأتها هكذا بعيدًا عن أي اعتبارات قطرية أو دينية أو أيديلوجية، بعيدا عن غرب وشرق، بعيدًا عن ماضٍ مليء بالصراعات، ومستقبل يحمل تبشيرًا بصراع الحضارات، قرأتها في بعدها الإنساني البحت، فليس مهمًا دين هذا الطفل أو جنسيته أو عرقه أو لونه...

إيلان كان بالنسبة لي إعلان وفاة البراءة إلى الأبد، في عالم يحكمه قانون الغاب، عالم يسكنه مسوخ بشر أقرب إلى الآلات، يدير ظهره لكل ما لا يحس بجوارحه، وينغمس في المادة حتى الثمالة.

لم أعبأ برؤى مغايرة تحاول إظهار تلك الصورة على أنها دليل معاناة للسوريين وفقط، فمع يقيني بذلك إلا أن الأمر بالنسبة لي كان أبعد مما يقولون، فإيلان ليس الوحيد ولن يكون الأخير، ألف إيلان كل يوم تقتلهم براميل بشار وكيماويه، ألف إيلان شوهتهم قنابل الطاغية وبقوا على ظهر الحياة ليذوقوا العذاب ألوانا، بين جحيم الحرب، ونار الألم، وفقدان العلاج.

عشرات الصور يوميا تدمي القلب وتعلن المعاني ذاتها، لكن إيلان كان الفاجعة الأكبر، وكأن العالم ما رأى غير إيلان.

إلى أن جاءت "وقعة المجر"... عشرات اللاجئين الفارين من جحيم الطغيان البشاري على حدود دولة أوربية هي المجر، وصحفيون اختلفت دوافعهم أثناء تصوير الكر والفر بين الشرطة المجرية وبين اللاجئين...

الصورة لمن لم ير الفيديو المنتشر على اليوتيوب هكذا، أب ينجح في العدو من بين يدي شرطي يحمل طفله بين ذراعيه، وحقيبة صغيرة في يده، ومصورة صحفية تحاول التقاط الصورة، ثم تقدم رجلها لتعرقل هذا اللاجئ السوري، فتطرحه أرضا وطفله أسفل منه، ويمسكه الشرطي بعد ذلك بسهولة.!!!

وقع السوري أرضا ووقع معه العرب جميعا، مهانة وذلة وانكسار، واستدعت الذاكرة سريعا تاريخا من العنصرية والنهب والسلب، ومستقبلا مليئا بالألاعيب الاستعمارية الجديدة.

المشهد أحدث معادلة في الصورة بين مواطنين أوربيين خرجوا في محطات القطارات مرحبين باللاجئين السوريين، وبين آخرين يرون في تلك الشعوب العربية قطعانا من الإرهابيين غير مستحقي الحياة أصلا.

الصحفية المجرية "بترا لاسزو" والتي تعمل مراسلة تلفزيون "إن1تي في" أعادت إلى الأذهان تاريخا مازال ممتدا من العنصرية الغربية تجاه الشرق العربي، يتنادى الحريصون على الإنسانية دوما لاعتباره استثناء في العلاقة بين التكوينتين.

وبالرغم من أن رئيس تحرير القناة سابولكس كيسبيرك أصدر بيانا قال فيه إن "إحدى الزميلات في إن1تي في تصرفت اليوم بطريقة غير مقبولة في نقطة التجمع في روزكي، وأنه تم إنهاء عقد عملها اعتباراً من اليوم"، إلا أن المشهد سيظل ماثلا في التاريخ شاهدا على حالة ربما لم يصل العرب لأقسى منها من قبل.

لست وحدك يا "إيلان كردي "من حرك الدموع في مآقي العالم الحر، لكن الأب السوري الذي طرحته تلك العنصرية أرضا أولى منك بان تنعي البشرية نفسها لنفسها، فقد صارت أكثر حيوانية من حيوانت الغابة المفترسة...

main-bottom

 

 

نحن موقع اخباري يعمل على مدار 24 ساعة، سياستنا التحريرية غير منحازة لأي فصيل سياسي ونسعى لنقل الواقع المصري إلى أبناء مصر والعالم العربي والإفريقي والعالمي..