main-top

طومان باي السلطان المملوكي الأخير لمصر

08 نيسان/أبريل 2020
كتب 

السويس / ناديه حسن #

الأشرف أبو النصر طومان باي آخر سلاطين المماليك الشراكسة في مصر، وهو السابع والأربعون من سلاطين الترك بالديار المصرية، وهو الحادي والعشرون من السلاطين الشراكسة، وهو السلطان الوحيد الذي شُنق على باب زويلة. تسلّم الحكم بعد مقتل عمه السلطان الغوري بموقعة مرج دابق عام 922هجري/1516 ميلادي بعد أن عينه نائباً له قبل خروجه لقتال العثمانيين، وبعد مقتل الغوري أجمع الأمراء على اختياره سلطاناً لمصر، وقد امتنع طومان باي عن قبوله منصب السلطنة في بداية الأمر بحجة ضعف الموقف العام وتشتت قلوب الأمراء وحصول فتنة من قبل بعض المماليك حيث كان خان الخليلي قد نُهِب وقُتِل جميع التجار بحجة أصولهم العثمانية، لكنه عاد بعد إلحاح وبعد أن أقسم له الأمراء على المصحف بالسمع والطاعة وعدم الخيانة وقد حضر البيعة يعقوب المستمسك بالله الخليفة المعزول وذلك لوجود ابنه الخليفة العباسي المتوكل على الله الثالث أسيراً بأيدي العثمانيين بحلب، ثم انهزم طومان باي بمعركة الريدانية في 29 ذي الحجة 923 هجري/1517ميلادي، وانضوت مصر تحت الخلافة العثمانية الفتية.

موقعة أطفيح
جمع طومان باي نحو ألفين من فرسان المماليك وسبعة آلاف من العربان بالقرب من أطفيح، والتقوا بالعثمانيين جنوبي الجيزة في معركة كبيرة استطاع خلالها الأمير شادي بك من الاستيلاء على مراكب العثمانيين في النيل، وطوق الجنود العثمانيين من الخلف وحصرهم بينه وبين طومان باي، وأبادوا القوة العثمانية عن آخرها فلم يبق منها سوى قائد الإنكشارية إياس أغا وأبو حمزة أحد أمراء المماليك الخائنين.

ما أن بلغ نبأ الهزيمة السلطان سليم حتى صب غضبه على خاير بك الذي زين له الزحف على مصر قائلا له: "قد غررت بنا وأدخلتنا في بلادء هؤلاء، ولا أحد يسهل عليه ترك بلاده، كنت أحسب أنهم زمرة قليلة وشرذمة ذليلة، أنت أغررتني وطمعتني في أخذ هذا الإقليم، فانظر كيف تصنع، ودبر نفك كيف تعرف وإلا فيها رأسك" وقرر سليم مهادنة طومان باي فجمع وزراءه ومستشاريه وقال لهم: ".. وأنا أريد أن أرسل له كتابا بالأمان مع قاصد عاقل يرد الجواب فلعل الله أن يهديه ونبقيه على بلاده، وأخبره أني رضيت منه بالاسم فقط، ويجعل الخطبة والسكة باسمي وأعطي له مصر إلى أن يموت".

وافق طومان باي على الصلح، ولكن أمراءه لم يثقوا بوعود السلطان سليم وغلبوا طومان باي على رأيه وذبحوا الوفد العثماني. وما أن وصلت هذه الأنباء إلى لسلطان سليم حتى توعد بالانتقام ونقل جيشه إلى بركة الحبش، وأمر بإحضار أمراء المماليك المحتجزين عنده وأمر بضرب أعناقهم.

موقعة الجيزة
التقى الجيش العثماني بالأمير شادي بك ومعه ألفين من خيرة فرسان المماليك والعربان، وعلى الرغم من عدم التكافؤ في الأعداد إلا أن العثمانيين تراجعوا منهزمين رغم كثرة القتلى من صفوف شادي بك ويصف ابن زنبل نهاية المعركة بقوله: "فلم يكن إلا شيء قليل حتى انطفت جمرة الروم وخمدت، وكلت حركاتهم وجمدت، ورد جموعهم الأمير شار بك قهرا وزجرا بحد سيفه".
فغضب السلطان سليم وقال: "ما كنت أظن أن أقاسي من أحد مثل ما قاسيت في يومي هذا، ولا كنت قول إني بهذه العشرة آلاف فارس وراجل التي هي خيار قومي ويتبعها أكثر من عشرين ألفا ألفى هذا الأعور (يقصد شادي بك) الذي هو في أقل من خمسمائة فارس ما لقيت منه ويفني أكثر عسكري".

موقعة وردان
قسم العثمانيون قواتهم إلى أربع فرق: الأولى بقيادة السلطان سليم، والثانية بقياد الغزالي، والثالثة بقيادة يونس باشا، والرابعة بقيادة إياس باشا قائد الإنكشارية ويعاونهم عرب الغزالة على أن يطبقوا على قوات طومان باي من جميع الجهات. فهزموا الجراكسة ومن معهم وأعملوا فيهم القتل، فلجأ طومان باي إلى حسن بن مرعي وابن عمه الذين أقسموا له على الولاء إلا أن حسن بن مرعي خانه فدل عليه فقبض العثمانيون عليه وقادوه إلى السلطان سليم.

شنق طومان باي
أزعج طومان باى العثمانيين كثيرا بحرب العصابات والضربات المباغتة عندما كان السلطان سليم في القاهرة. ولكن العرب الذين كانوا يكرهون الشراكسة (المماليك) دلوا على مكانه، فأُسر.

بعد أن قبض الجنود على طومان باي، حملوه في الأصفاد إلى معسكر السلطان سليم بإمبابة، ودار بينهما حوار أشاد به ابن زنبل، وبرر طومان باي مقاومته وذكر خيانة خاير بك والغزالي. فأُعجب السلطان سليم به وقال لجلسائه: "والله مثل هذا الرجل لا يُقتل ولكن أخروه في الترسيم حتى ننظر في أمره" وأراد أن يأخذه معه إلى إسطنبول.

حواره مع السلطان سليم الأول
وضع السلطان سليم الأول عرشا بجانبه وأجلس عليه الحاكم المملوكي الجديد. تكلم طومان وخاطب السلطان سليم بكلام خال من اللياقة، قائلا له أنه لم ينتصر على المماليك بشجاعته ، وإنما انتصر بمدافعه وبنادقه، فأجابه السلطان سليم الأول متسائلا، لماذا لم يتزود وهو على رأس دولة كبيرة بهذه الأسلحة؟ وتلا عليه الآية الكريمة التى تأمر بمقابلة العدو بمثل أسلحته، وأفحمه وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (سورة الأنفال، الآية 60).

إهمال المماليك في تحديث جيشهم آخر نصف قرن
كان الفرق بين المدفعية العثمانية والمملوكية في معركة الريدانية فرقا يزيد على نصف قرن، ففي عام 1410م طلب السلطان المملوكى من السلطان العثماني سليمان القانوني مدفعيين وبحريين أتراكاً، وأُجيب إلى طلبه، إذ كانت تركيا تفوق مصر في ذلك التاريخ.

وقد كانت عملية إرسال المهمات الاستراتيجية والمدفعيين والبحارة والفنيين إلى مصر في عهد السلطان العثماني بايزيد الثاني قد اكتسبت أهمية كبيرة، فعلى سبيل المثال أرسل إلى مصر في عام 1511م عدد 400 مدفع وكميات هائلة من البارود والنحاس.

أما القادة البحريين العثمانيين الدهاة المقتدرين مثل عروج بربروس وسليمان ريس وكمال ريس، فإنهم إما التحقوا بالبحرية العثمانية في مصر، أو قاموا بنقل المهمات الاستراتيجية والموظفين الفنيين إلى مصر.

الإيعاز بقتله
كان الشراكسة الذين كانوا مع المماليك ثم التحقوا بخدمة العثمانيين يخشون نقمة طومان باي عليهم فأخبروا السلطان سليم الأول بأن طومان باي لايزال يسعى وراء سلطة مصر، وشرحوا له ذلك بإسهاب وأقنعوه بوجوب إعدام طومان باى. فسُلِّم طومان باى إلى على باشا دلقدار أوغلو ليعدمه على باب زويلة، وكان المماليك قد أعدموا شهسوار بك والد على باشا دلقدار أوغلو قبل 40 سنة (في أغسطس 1472م) على نفس هذا الباب لصداقته مع العثمانيين.
غير أن خاير بك والغزالي خشيا على أنفسهما من بقاء طومان باي حيا فألحا على السلطان سليم بقتله لأن حكم العثمانيين في هذه البلاد سيظل محفوفا بالمخاطر ما عاش طومان باي، فاقتنع السلطان سليم بقولهم.

وفي يوم الاثنين 21 ربيع الأول سنة 923 هـ الموافق 23 أبريل 1517 م أمر السلطان سليم بأن يعبروا بطومان باي إلى القاهرة، فعبروا به إلى بولاق وشقوا به القاهرة حتى وصلوا إلى باب زويلة، ورأي الحبال فعلم أنه مشنوق فتشهد وقرأ الفاتحة ثلاثا، وشُنق أمام الناس، وضج الناس عليه بالبكاء والعويل، وبقي مصلوبا ثلاثة أيام ثم أنزل ودفن خلف مدرسة الغوري. ويصف ابن إياس ذلك وهو شاهد عيان على ماحدث بقوله: طومان باي وكان الناس في القاهرة قد خرجوا ليلقوا نظرة الوداع على سلطان مصر.. وتطلع طومان باي إلى (قبو البوابة) فرأى حبلاً يتدلى، فأدرك أن نهايته قد حانت.. فترجل.. وتقدم نحو الباب بخطى ثابتة.. ثم توقف وتلفت إلى الناس الذين احتشدوا من حول باب زويلة.. وتطلع إليهم طويلاً.. وطلب من الجميع أن يقرؤوا له الفاتحة ثلاث مرات.. ثم التفت إلى الجلاد، وطلب منه أن يقوم بمهمته. فلما شُنق وطلعت روحه صرخت عليه الناس صرخة عظيمة، وكثر عليه الحزن والأسف فإنه كان شابا حسن الشكل كريم الأخلاق، سنه نحو أربع وأربعون سنة، وكان شجاعا بطلا تصدى لقتال ابن عثمان، وفتك في عسكرهم وقتل منهم ما لا يحصى، وكسرهم ثلاث مرات وهو في نفر قليل من عساكره.
وقد ظلت جثته معلقة ثلاثة أيام كي يراها الجميع ويعلم بانتهاء دولة المماليك، ثم دفُنت في قبة السلطان الغوري، وبموت طومان باي انتهت دولة المماليك وسقطت الخلافة العباسية، واستتب الأمر للسلطان سليم والخلافة العثمانية القوية بمصر وبلاد الشام، وأصبحت مصر ولاية عثمانية.

825 K2_VIEWS
نادية حسن
main-bottom

 

 

نحن موقع اخباري يعمل على مدار 24 ساعة، سياستنا التحريرية غير منحازة لأي فصيل سياسي ونسعى لنقل الواقع المصري إلى أبناء مصر والعالم العربي والإفريقي والعالمي..