كتل خرسانية ضخمة، كمائن أمنية فى نقاط عديدة، جنود أمن مركزى موزعون أمام الهيئات المهمة والمنشآت الحيوية، أبراج للمراقبة وكاميرات للتصوير ونقاط تفتيش فى كل مكان وعلى كل بوابة، لكن الدماء لا تزال مستمرة، و«قوس» العمليات الإرهابية لا يزال مفتوحاً جاهزاً لاستقبال عملية جديدة فى أى لحظة ممكنة.. سواء بسيارة مفخخة، أو عبوة ناسفة، أو هجوم مسلح، أو قذيفة «هاون» أو «آر بى جى» أو حتى زجاجة مولوتوف بدائية الصنع لا تجد ما يعيق طريقها. أبرياء يفقدون أرواحهم كل يوم، وغلابة، مجندون ومدنيون، تدوّن أسماؤهم فى قائمة الشهداء، ضحايا لإرهاب لا يعرف ديناً ولا وطناً ولا قيمة إنسانية، وضحايا كذلك لتأمينات لا تمنع جريمة حتى لو تكررت لعشر مرات متتالية بنفس التخطيط ونفس التنفيذ. وحده الجندى الذى ترك أهله وحياته، ليقف يحمل سلاحاً قد لا يتمكن من استخدامه فى معركة تبدأ فجأة، لتظهر حينها سلسلة طويلة من التقصيرات الأمنية، بداية من تسليح لم يكن على مستوى المواجهة، أو فرد أمنى لم يتلقَّ التدريب الكافى لإحباط هجوم أو إبطال مخطط، أو برج مراقبة كان خالياً فى لحظة اندلاع العملية، أو كاميرات تصوير فوجئ الجميع بأنها لا تعمل، وأجهزة تشويش لمنع وقوع التفجيرات غير متوافرة فى مكان الحادث. القصور الأمنى الذى يسمح بوقوع الجريمة الإرهابية، بل وتكرارها، ليس منفصلاً عن ثقافة مجتمعية تعانى القصور نفسه فى تأمين حياتها الشخصية، وإدراك مفهوم «الأمن» واستيعابه وتطبيقه سلوكاً فى الحياة اليومية، ثقافة تتخذ من عبارة «خليها على الله» شعاراً، و«الحارس ربنا» عنواناً، و«نصيبك هيصيبك» إذناً بعدم المسئولية.