main-top

غادة محفوظ تكتب : " فين أيامك يا تحسين "

19 تموز/يوليو 2017
كتب 

كم هو رائع أن تحيا وسط مدينة حار في وصف روعتها وجمالها البلغاء .

مدينة سطرت اسمها بحروف من نور في تاريخ البشرية .

مدينة يعلم القاصي والداني أنها أرض الأبطال ، ومصنع الرجال ، ومقبرة الغزاة ، ومنبت الأصالة والقيم .

إنها مدينة السويس

نعم يا سادة ...

السويس.. التى ما إن تسير في شوارعها وأزقتها حتى تتسلل إلى أنفك هذه الرائحة العبقة التي تحملها لك الرياح من حقب زمنية شاهدة على أصالة وعراقة هذه المدينة .

السويس.. التي اشتهر أبناؤها على مر العصور والأزمان بأنهم نموذج يحتذى به في التضحية والفداء وبذل الغالي والنفيس في الذود عن تراب الوطن.

السويس .. التي ما إن تطأ قدمك أرضها حتى تشم بقلبك قبل أنفك رائحة ذكية عطرة لهؤلاء الأفذاذ الذين سالت دماؤهم على تراب هذه البقعة الغالية من أرض مصر .

إذاً ... دعونا نتفق أن مدينة السويس ليست كسائر المدن .
ولأن السويس ليست مجرد مدينة أو محافظة عادية كان لزاما أن يتولى زمام الأمور فيها قيادة لبيبة تعي جيدا متطلبات السوايسة .

فبما أن السويس ليست مدينة عادية فلابد أن من يتولى مجريات الأمور فيها شخص ليس كلاسيكيا من هؤلاء الذين لا يجدون راحتهم إلا بين ثنايا المكاتب المكيفة والمقاعد الوثيرة.

تحتاج السويس إلى محافظ يدرك جيدا أنه يقع على كاهله تحقيق متطلبات – مشروعة – لفئة من البشر ذكر التاريخ أنهم يعشقون التضحية والفداء فقط من أجل أن تظل هذه الشعلة البيضاء التى تتوسط علمهم الأزرق عالية خفاقة في سماء الحرية والكرامة.

تحتاج السويس إلى محافظ يعلم يقينا أن السوايسة – بتوع شغل – وليس كما أشيع عنهم من وشايات كاذبة من منتفعين ومغرضين من غير أبناء السويس لا يهمهم سوى أن يأكلوا هم وذويهم من خيرات السويس بينما يتبقى للسوايسة الفتات .

فى التاريخ المعاصر وتحديدا في الثمانينيات تولى منصب المحافظ اللواء/ تحسين شنن رحمه الله والذي لا يزال يذكره جميع أبناء السويس بالخير .

هذا الرجل استحق بكل جدارة أن يكون محافظ" سوبر ستار" واستطاع – في عبقرية شديدة – كسب قلوب كل أبناء مدينة السويس .

فبالرغم من أرستقراطيته المعهودة إلا أنه كان – ابن بلد – بكل ما تحمله الكلمة من معان ، يسير بمفرده على قدميه في الشارع ، ولا يمتنع مطلقا عن تلبية دعوة فرح أو مناسبة ، ولا يتضرر أبدا أن يجلس ليحتسي معك كوبا من الشاي على قهوة مكة ، وتراه يقاسمك إفطارك في مطعم رواش ، وفي المساء تراه مشاركا للشباب فى مبارة لكرة القدم بملعب كفر سليم الحي .

كان باب اللواء تحسين شنن مفتوحا لكل أبناء السويس ، وأبدا لم يخصص يوما أو ساعة للقاء الناس ، بل كان يستقبل الجميع في أي وقت ، وكان رحمه الله مستمع جيد ،وهو ما يعطي انطباع للمتحدث بأن حديثه أو شكواه لن تذهب سدى .

ولأن السويس دائما ينالها قسط كبير من الحظ العاثر ، لم يستمر تحسين شنن طويلا ، ليودع السوايسة بدموع أعينهم هذا الرجل الأسطورة الذي دخل القلوب وتربع على عرشها ، وأبت هذه القلوب الوفية أن يخرج منها .

حينما أرى السويس اليوم وما آلت إليه من انحدار على كافة المستويات لا أملك سوى أن أترحم على اللواء / تحسين ، وأتساءل في صمت : هل من الممكن أن يجود علينا الزمان بمثل هذا الرجل؟

هل يأتي يوم على السوايسة يرون فيه سيادة المحافظ وقد فتح بابه للصغير قبل الكبير واستمع بآذان صاغية إلى متطلبات السوايسة؟؟؟

ختاما ...

أهمس في أذن كل من قُدر له أن يكون محافظا للسويس ...

اقرأ تاريخ السويس جيدا ، واعلم أن السوايسة - جدعان وولاد بلد – فإن كنت عند حسن ظنهم رفعوك على الأعناق ، وإن خيبت رجاءهم فيك فستُطوى صفحتك بل وستمزق إربا ويلقى بها في المحرقة، مثل كثير غيرك ممن سبقوك وممن سينساهم التاريخ ، بينما تظل صفحة مثل صفحة تحسين شنن مشرقة لا يؤثر فيها غبار الزمن ، ولا يملك السوايسة كلما وقعت أعينهم على هذه الصفحة البيضاء الناصعة سوى أن تسيل دموعهم وهم يرددون في نفس واحد " الله يرحمك يا تحسين "

818 K2_VIEWS
نادية حسن
main-bottom

 

 

نحن موقع اخباري يعمل على مدار 24 ساعة، سياستنا التحريرية غير منحازة لأي فصيل سياسي ونسعى لنقل الواقع المصري إلى أبناء مصر والعالم العربي والإفريقي والعالمي..